بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة شيخنا العلامة / الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …………. وبعد : شيخنا حفظكم الله، لا يخفاكم ما للجليس من أثر على جليسه، سواءً كان خيراً أو شراً.
ولقد وقع بعض إخواننا السلفيين في هذه الأيام في مخالطة بعض المخالفين
للمنهج السلفي على سبيل الصحبة وتوافق الطبع؛ فتجد أن هذا الأخ أقل ما يصاب
به هو التبلد تجاه الأفكار المخالفة للعقيدة السلفية، ويشمئز من ذكر
القضايا المنهجية.
فنريد منكم حفظكم الله تعالى ذكر كلمه تربوية
سلفية؛ تبين خطورة مخالطة هؤلاء، وذكر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية،
والآثار السلفية، في تبيين خطورة ذلك، وذكر الأمثلة من التأريخ تبين تحول
بعض أهل السنة إلى البدعة بسبب مماشاة أهل الأهواء.
بارك الله في عمركم وعلمكم، وجزاكم الله خيراً.
أجاب حفظه الله بقوله :
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.
{يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُسْلِمُونَ ]102[ }.((1
{يا أيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ
وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً
واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان
عَلَيْكُمْ رَقِيباً ]1[}.[2]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ]70[ يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً]71[}.[3]
أما بعد،،
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد :
فإجابةً على هذا السؤال أقول: إن هذه المسألة مهمة جداً وشأنها خطير؛
ولهذا اهتم بها الكتاب والسنة، والسلف الصالح في دواوين الإسلام، وخاصةً ما
يتعلق بالعقائد، وبالذات ما يتعلق بالمواقف من أهل البدع والضلال، وأهل
الفتن والانحرافات، وجلساء السوء بالذات، ففيما بينوه الشفاء والكفاية لمن
أراد لنفسه الخير، وأراد لنفسه أن يحيا حياة تُرضي ربه وتقربه إليه، وتبعده
عن النار، لقد اهتم بهذا الموضوع سلفنا الصالح رضوان الله عليهم علماً
وعملاً وتطبيقاً، رضوان الله عليهم، فما علينا إن كنا نريد النجاة إلا أن
نتبع سبيل هؤلاء المؤمنين الصادقين المخلصين، الذين عرفوا الشريعة
الإسلامية عقائدها، ومناهجها، ومقاصدها، ومراميها، فقدموا النصح و البيان و
التحذير، لمن أراد الله به خيراً من هذه الأمة، وأراد له النجاة وركوب
سفينة النجاة فعلاً، في القرآن الكريم تقرأون قوله تعالى{هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم
زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله
إلى الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا]7[}(4) فبين
الله في هذه الآية واقع وحال أهل الزيغ والأهواء ، وأنهم يتقصدون الشر
للأمة، و يتقصدون لهم الفتن ؛ لأن نواياهم ليست بسليمة ، وقلوبهم مريضة ،
ويريدون أن يصاب الناس بأدوائهم لأنه كما يقال في المثل (كلما عَمَّت هانت)
وفي المثل العامي ( قُطِع ذنب الثعلب فقَطَعَ أذناب الآخرين ) وقد قال
الله تبارك وتعالى في الكفار{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تطيعوا
فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ]100[}(5) .
ويود الكفار والنصارى واليهود للمسلمين أن يرتدوا عن دينهم، ولأهل البدع
نصيبٌ كبير من هذا القصد السيئ، ومن إرادة السوء لأهل الخير؛ من هنا يجب
الحذر منهم غاية الحذر، وقد نبهَنا الله في هذه الآية التي ذكرناها أن
الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، يتقصدون فتنة
الناس في دينهم والانحراف بهم عن دين الله الحق إلى ما هم فيه من البدع
والضلال ، وما هم فيه من الشبهات و التخبطات والانحرافات وهم يريدون السوء
لمن يثق فيهم، ولمن يجالسهم ويخالطهم؛ ولهذا تراهم يسلكون شتى المسالك لصد
أهل الحق، ولا سيما الشباب عن منهج الله الحق، فلهم طرق قد برعوا فيها،
وأساليب قد مهروا فيها وربوا عليها شبابهم، فتجده لا يعلم كيف يتوضأ؛ ولكنه
يجيد عرض الشبه والتشكيك والتشويه والتنفير من الحق وأهله، قد تجده يجيد
هذا إجادة عظيمة والعياذ بالله، ونسأل الله أن ينقذهم من هذه المسالك
الشيطانية، وأن ينقذهم من أسباب الهلاك ، الرسول عليه الصلاة والسلام تلا
هذه الآية لما تلاها قالفإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك
الذين سمى الله فحذروهم) 1فهؤلاء أهل الأهواء وأهل الزيغ هم الذين يتتبعون
المتشابهات، الرسول r يقصد أن أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه هم الذين
يجب أن يحذرهم الناس، فمن علامة أهل البدع، ومن علامة أهل الزيغ أنهم لا
يسلكون مسالك أهل السنة في بناء دينهم على الآيات المحكمة، ورَدَّ
المتشابهات إلى المحكمات؛ وإنما يتعلقون بما يوافق هواهم، ويستطيعون أن
يروجوا به لدعواهم الفاسدة، وبدعهم الضالة؛ كما فعل الخوارج والروافض،
والمرجئة، والقدرية؛ فإنهم يتعلقون من النصوص المجملة والمتشابهة بما يوافق
هواهم؛ فيضلون به ويضلون الناس، وعلى هذه الشاكلة أهل البدع في كل زمان
ومكان، مهما كان نوع بدعتهم، ولا تحتقراً شيئاً من البدع ولا تستصغراً منها
شيئا؛ فإن هذه مسالكهم، يَفتن ويَزيغ، ويريد أن يُفتن الناس ويزيغون مثل
زيغه، وينحرفوا مثل انحرافه، ويُفتنون مثل فتنته، والعياذ بالله، فأنت ترى
الآية بينت حالهم والرسول r بين حالهم وحذر منهم.
وإذا كان قد
أمر بهجران الصحابة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك حتى بعد توبتهم، وهم لم
يركضوا بهذه فتنة ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا واعترفوا، ومع ذلك لما
وقعوا فيه من المخالفة لأمر الرسول r ؛ لأنهم متهمون في هذه الحال وقد
يكونون متهمين بالنفاق.
فإحسان الظن بأهل الانحرافات، وأهل البدع
والضلالات، مخالفٌ لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا
قال الرسول عليه الصلاة والسلام (( فإذا رأيتم من يتبع المتشابه فأولئك
الذين لعن الله فاحذروهم )) (6). ما قال أحسنوا بهم الظن كما يقول الآن
كثير من أهل الأهواء: أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد،
يا أخي إذا رأينا عندك شبه وضلالات أنت متهم، الله حذرنا منك، ورسول الله
حذرنا منك، كيف لا نحذر منك، وكيف نحسن بك الظن وقد نبهنا الله تبارك
وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك، فالرسول r لماذا ما أحسن الظـن
بهؤلاء وهم صحابة وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار وبينوا، وهو لسبب
من الأسباب ما نقول عذر من الأعذار بينوا الحقيقة لرسول الله عليه الصلاة
والسلام كما هي، فقال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز
وجل، وحتى يقضي الله فيهم ما أراد سبحانه وتعالى، فأمر رسول الله بهجرانهم
إلى أربعين يوم، وبعد أربعين يوم يرسل لهم الرسل أن يعتزلوا نسائهم، هجرهم
المجتمع برمته، ما كان يكلمهم أحد أبداً، بقي معهم زوجاتهم يعطفن عليهم،
فأمرهم رسول الله باعتزال نسائهم ، أمر الله الرحيم الرؤوف، ورسوله الرؤوف
الرحيم عليه الصلاة والسلام يعامل هؤلاء بمثل هذه المعاملة، فالحذر من أهل
البدع، وبغضهم وهجرانهم ومقاطعتهم هو السبيل الصحيح لحماية الأصِحَّاء من
أهل السنة من الوقوع في فتنتهم ،و التساهل معهم وحسن الظن بهم، والركون
إليهم هو بداية في طريق الضلال والانحراف،{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار]113[}(7)ومن أظلم من أهل البدع، أهل البدع شر من الفساق وأهل
المعاصي ، ولهذا يقول فقيه البصرة وعاقلهم سلام بن أبي مطيع: لأن ألقى الله
بصحيفة الحجاج ، أحب إلي أن ألقاه بصحيفة عمرو بن عبيد ، عمر و بن
عبيد(، عابد زاهد ما شاء الله، لكن مبتدع ضال، والحجاج، فاجر سفاك مجرم،
يرى أنه لو خُيِّر أن يلقى الله بصحيفة الحجاج، وصحيفة عمرو بن عبيد،
لاختار أن يلقى الله بصحيفة الحجاج السفاك الظالم الفاجر، لماذا ؟ لإدراكه
لخطورة البدع وشناعتها، ويكفينا أن الرسول r كان في كل خُطَبِه أو جُلِها
يصفها بأنها شر الأمور، كما في حديث جابر رضي الله عنه قال :كان الرسول r
إذا خطب، يعلوا صوته ويحمر وجهه كأنه منذر جيش يقول صَبَّحكم ومَسَّاكم ،
ثم يقول: أما بعد، فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر
الأمور محدثاتها(9)، وهي تدخل في قول الله تبارك وتعالى{ أم لهم شركاء
شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ]21[}(10) وقوله {اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً
واحداً لا إله إلا هو]31[}(11)فهؤلاء أتباع أهل البدع، مهما كان هذه البدع
تتناوله مثل هذه الآيات، لماذا ؟ لأنهم يقدمون طاعة أمرائهم وسادتهم
وقادتهم على طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى طاعة الله تبارك
وتعالى، وكثير من هو سيلقى الله بهذه الإجابة {ربنا إنا أطعنا سادتنا
وكبرائنا فأضلونا السبيلا ]67[ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا
كبيراً]68[}(12)كثير منهم –لا أقول كلهم- كثير منهم سيلقى الله بهذه
الإجابة، خاصة من يتبع هواه في محاربة الحق، والرضى بالباطل بل الدعوة إلى
الباطل وتشويه الحق ؛ كما يجري من كثير من الناس في هذه الأيام، تراهم
يلبسون مُسوح الإسلام بل مسوح السلفية؛ وهم أشد الناس حرباً على السلفية
وأهلها.
فالذي يحترم المنهج السلفي ويحترم العقيدة السلفية ويحترم
أهل هذا المنهج سابقهم ولاحقهم، كيف يحسن الظن ويركن إلى أهل الباطل، إن
قلت كتاب الله فهو عليك، إن قلت سنة رسول الله فهي حجة عليك، إن قلت أئمة
الإسلام فمواقفهم معروفة، ومدوناتهم وتآليفهم معروفة في مجافاة أهل البدع
وبغضهم والتحذير منهم- ولا سيما أئمة السنة- كمالك، والأوزاعي، والشافعي،
والسفيانين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، أئمة الإسلام وجبال السنة، وهم قدوة
الأمة، فمن لا يقتدي بهؤلاء ويحيد عن سبيلهم فوالله إنه لمتبع لسبيل
الشيطان، ويركض في ميادين الشيطان، مهما أدعى لنفسه.
الآن هات
موقف الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام ممن يسب أصحاب محمد r، الرسول عليه
الصلاة والسلام يقول (( لا تسبوا أصحابي والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل
أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))(13) يعني الصحابة فوق القمم، ما
هم قمم بل فوق القمم، يعني هم بعد الأنبياء مباشرةً لماذا تسبهم، لماذا تسب
أحداً منهم وأنت لو جئت بأعمال الخير كلها وأنفقت جبال الذهب كلها لو صارت
جبال الدنيا مثل جبل أحد ذهباً وأنفقته ما بلغت مد أحدهم ولا نصيفه، فكيف
تسبهم ،والرسول r يلعن من يسب أحداً من أصحابه؛ ثم تجد هؤلاء الضالين لا
يغضبون لأحدٍ من أصحاب رسول الله r ، ويا ويلك إن انتقدت إماماً من أئمة
الضلال السابين للأنبياء والصحابة والقائلين بالحلول ووحدة الوجود، يبغضونك
ويحاربونك من أجل هذا الضال لا من أجل أصحاب محمد r،فهذا ضلال وأي ضلال ،
كثير منهم يزعمون أنهم من أهل السنة وهذا واقعهم وهذا حالهم، فأي احترام
عندهم للسنة وقد أهين أصحاب رسول اللهr فلم ينصروهم، ومن كذِبهم وفجورهم
أنهم رفعوا عقيدتهم بمنهج الموازنات،ويسمونه بمنهج العدل و الإنصاف ،لماذا
لا تنصفون الصحابة ، لماذا ما تنصبون موازينكم هذه أول شيء لنبي من
الأنبياء ولأصحاب محمد r هذا دليل أنكم ما أنشأتم مثل هذا المنهج وما
تعلقتم به إلا لنصرة الباطل، ونصرة الضلال، ولحماية الضلال وأهله، ولحماية
مناهج الضلال، والله لو كنتم صادقين ما اخترعتم هذا المنهج، لو كنتم صادقين
لبدأتم بنصرة أصحاب محمد r وإنصافهم ممن افترى عليهم وظلمهم وأهانهم ورمى
بعضهم بالنفاق ورمى بعضهم بالردة وفعل وفعل، ومثل هذا مقدس عندكم، مثل هذا
مقدس، مجدد، إمام، إلى آخره.
أَبَلَغ هذا الشأو، وبلغ هذه المنزلة
بسبه لأصحاب محمد r أم بسبه لموسى، أم بقوله بالحلول، أم بقوله بوحدة
الوجود، أم لتعطيله للصفات، أم بقوله بالاشتراكية، بلغ هذه المنزلة السامية
عندكم بهذه الأشياء، وكثير وكثير من المخازي، ومع ذلك هو عندكم قمة،
وأصحاب الرسول r في الهامش، وبعيدون عن الهامش، لو كنتم تحترمونهم والله،
لو كان هذا الشخص أباكم وجدكم لحاربتموه، ولكن إنما هي الأهواء، وإنما هو
الضلال والانحراف والاستهانة بدين الله وحملته، مهما ادعيتم لأنفسكم فهذا
الواقع يكشفكم ويفضحكم- على كل حال- أنا أحيل الشباب إلى كتب أئمة السنة
لينهلوا منها مباشرة، لا يأخذون من أشرطة فلان، وكتابات فلان، وإنما يأخذوا
العلم من مناهله الأصيلة، ويرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليهم، وإن الأمر
– والله- لجد -ورب السماء- لا سيما والمشاكل بلغت حداً لا نظير له، فالسنة
الآن تُحارب، وأهلها يحاربون بمختلف وسائل الإعلام، وفي الكتب وفي الأشرطة
والانترنيت وفي كل مكان، ويصورون أهل السنة بأنهم خوارج، !! بل يكفرونهم،
فأي فتنة أخبث وأشد على الإسلام والمسلمين من هذه الفتنة الخطيرة التي ملئت
الأرض والأجواء والفضاء فنسأل الله العافية.
فنحن نحذر الشباب
السلفي من مخالطة هؤلاء، والاستئناس بهم، والركون إليهم، فليعتبروا بمن سلف
ممن كان يغتر بنفسه ويرى نفسه انه سيهدي أهل الضلال، ويردهم عن زيغهم
وضلالهم؛ وإذا به يترنح ويتخبط ثم يصرع في أحضان أهل البدع.
وقد مضت تجارب من فجر تاريخ الإسلام، فأُناس من أبناء الصحابة لما ركنوا إلى ابن سبأ؛ وقعوا في الضلال.
وأناس من أبناء الصحابة والتابعين لما ركنوا إلى المختار بن أبي عبيد؛ وقعوا في الضلال.
وأناس ركنوا إلى كثير من الدعاة السياسيين الضالين ومن رؤوس البدع؛ فوقعوا في حبائل أهل الضلال.
وكثيرون وكثيرون جداً، ولكن نذكر منهم قصة عمران بن حطان، كان من أهل
السنة وهوي امرأة من الخوارج، فأراد أن يتزوجها ويهديها إلى السنة،
فتزوجها؛ فأوقعته في البدعة، قبحه الله، وكان يريد أن يهديها فضل
بسببها،وكثير من المنتسبين إلى المنهج السلفي يقول: أنا أدخل مع أهل
الأهواء لأهديهم فيقع في حبائلهم، عبد الرحمن بن ملجم، و عمران بن حطان،
كلهم كان ينتمي إلى السنة ثم وقع في الضلال، وأدى بعبد الرحمن بن ملجم
فجوره إلى أن قتل علياً، وأدى بعمران بن حطان فجوره إلى أن مدح هذا القاتل
نسأل الله العافية قال :
يا ضـربة من تقي ما أراد بها ****** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه ****** أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم****** لم يخلطوا دينهم بغياً و عـدوانا(15)
إلى آخر أبيات رديئة قالها في مدح هذا المجرم، بارك الله فيكم.
وحصل لعبد الرزاق من أئمة الحديث أن انخدع بعبادة وزهد جعفر بن سليمان الضبعي، وأنِسَ إليه؛ فوقع في حبائل التشيع.
وانخدع أبو ذر الهروي راوي الصحيح بروايات، وهو من أعلام الحديث، انخدع
بكلمة قالها الدارقطني في مدح الباقلاني؛ فجَرَّته هذه الكلمة في مدح
الباقلاني ، إلى أن وقع في حبائل الأشاعرة، وصار داعية من دعاة الأشعرية؛
وانتشر بسببه المذهب الأشعري في المغرب العربي، فأهل المغرب يأنسون إليه،
ويأتونه ويزورونه، ويبث فيهم منهج الأشعري، وهم قبله لا يعرفون إلا المنهج
السلفي؛ فسن لهم سنة سيئة ،(16) نسأل الله العافية كما قال النبي عليه
الصلاة والسلام (( من دعى إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا
ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزارهم إلى
يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً ))(17) فنسأل الله العافية.
والبيهقي انخدع ببعض أهل الضلال، كابن فورك وأمثاله، وكان من أعلام الحديث.
أنت جاهل وتثق بنفسك، وتغتر بنفسك، وأنت ما عندك علم يحميك؛ فأنت أولى مئات المرات بالوقوع في البدعة من هؤلاء.
و انخدع البيهقي بابن فورك فوقع في الأشعرية ، وكثير وكثير من الناس، وفي
هذا العصر أمثلة كثيرة ممن عرفناهم كانوا على المنهج السلفي؛ ولما اختلطوا
بأهل البدع ضلوا؛ لأن أهل البدع الآن لهم أساليب، ولهم نشاطات، ولهم طرق -
يمكن ماكان يعرفها الشياطين في الوقت الماضي- فعرفوا الآن هذه الأساليب
وهذه الطرق وكيف يخدعون الناس، فمن أساليبهم أنك تقرأ وتأخذ الحق وتترك
الباطل، كثير من الشباب لا يعرف الحق من الباطل، ولا يميز بين الحق
والباطل، فيقع في الباطل يرى أنه حق، ويرفض الحق يرى أنه باطل، وتنقلب عليه
الأمور، وكما قال حذيفة رضي الله عنه (( إن الضلالة كل الضلالة أن تنكر ما
كنت تعرف، وتعرف ما كنت تنكر )) .
فترى هذا سائر في الميدان
السلفي والمضمار السلفي ما شاء الله ما تحس إلا وقد استدار المسكين، فإذا
به حرب على أهل السنة، وأصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف عنده منكراً،
وهذه هي الضلالة كل الضلالة، فنحن نحذر الشباب السلفي من الاغترار بأهل
البدع والركون إليهم .
فأنصح الشباب السلفي :
أولاً: أن
يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول
الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس
الخير وآثاره الطيبة، فقال: (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل
المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن
تجد منه ريحاً طيبة، - يعني أنت رابح و مستفيد منه على كل حال من الأحوال،
لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير، وكلها نفع كما هو مثل المؤمن -
والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه ))
(18)فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً، فإذا
كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم
ومخالطتهم ما دليلك على الجواز، الرسول r حَذَّر ، الرسول r أنذر، الرسول r
بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ، ونفذوا
توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة،
فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك
الخير، ويخافون عليك من الوقوع في الشر.
فأنا أنصح الشبابٍ السلفي
أينما كانوا، وأينما نزلوا، أن يدرسوا منهج السلف، وأن يعرفوا قدْر أهل
السنة والجماعة، وأن يدركوا فيهم أنهم أهل النصح، وأهل الخبرة، وما يقولونه
–والله - يتحقق فيمن يأخذ بقولهم أو يخالفهم، فمن خالفهم؛ فالغالب عليه
الوقوع في الباطل، والوقوع في الشر، ومن استفاد منهم سَلِمَ ونجى،والسلامة
والنجاة لا يعدلها شيء.
وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب
السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم، لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف
كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛ لأن المناظرة تجرك
إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح، فأوصي الشباب أن
يستفيدوا:
أولاً: من كتاب الله .
ثانياً: من سنة رسول الله r .
ثالثاً: من توجيهات ومواقف السلف الصالح ، بدأً بالصحابة، وعلى رأسهم عمر،
الخليفة الراشد، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم ، وعبد الله ابن
عباس، وجابر بن عبد الله، و عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم جميعاً،
ونذكر لكم مواقف بعضهم؛ لأن الوقت لا يتسع لاستقصائهم .
أما عمر،
فقصته مع صبيغ بن عسل مشهورة و معروفة، إذ كان يقذف ببعض الشبهات في أوساط
الناس؛ فاستدعاه عمر، وضربه ضرباً شديداً، وأودعه في السجن، ثم استدعاه
مرةً أخرى، وضربه، وأودعه في السجن، ثم في الثالثة قال: يا أمير المؤمنين،
إن أردت قتلي فأحسن قتلتي، وإن أردت أن يخرج ما في رأسي فوالله لقد خرج،
فلم يأمن جانبه أبداً، بعد كل هذا نفاه إلى العراق، وأمر بهجرانه، فهذه
عقوبة بسبب هذه الشبهات الذي كان يقذفها في أوساط الناس، إذا قِستَها
بالبدع التي تنتشر من أخف الناس بدعة تجد البون الشاسع بين ما عند صبيغ وما
عند هؤلاء المتأخرين من الضلالات؛ لأن هذه أخطر وأشد بكثير وكثير، ولها
دعاة، ولها نشاطات- مع الأسف الشديد- على كل المستويات .
وأما علي
بن أبي طالب، فيكفي أنه قَتَل الخوارج، الذين قال فيهم رسول الله r : شر
الخلق والخليقة، شر من تحت أديم السماء، وفي هذا الوقت بزغ قرن الخوارج في
غاية العنف، وفي غاية الشدة، ولهم من الوسائل والإعلام والدعايات والأعمال
والفتك مالا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى؛ فكيف يأنس المسلم الصادق إلى من
يحب هؤلاء ويواليهم؛ وكيف يثق بمن هذا منهجه وهذه عقيدته وهذا موقفه من
الأمة .
وأما عبد الله بن عباس فله كلام شديد في أهل القدر رضي
الله عنه، منها قال إئتوني بواحد منهم حتى أعض أنفه، حتى أجدعه، أو كما
قال، يعني هكذا سيتعامل مع أهل البدع.
ابن عمر لمَّا بلغه أن
قوماً يتقفرون العلم ويقولون أن لا قدر، قال: أبلغهم أنني منهم بَراء،
وأنهم مني بُرءاء، لم يفتح ملف وتحقيقات وإلى آخره كما يفعل الآن أهل
البدع، يقذفون الناس ظلماً وعدواناً، فإذا ثبت لك شيء من ضلالهم وتكلمت
وحذرت منه قالوا: ما يتثبت ، نعوذ بالله من الهوى ولو يأتي ألف شاهد على
ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادتهم ، بل يسقطونها ، ألف شاهد عدل، على ضال من
ضلاَّلهم لا يقبلون شهادته؛ فضيعوا الإسلام وضيعوا شباب الإسلام بهذه
الأساليب الماكرة نسأل الله العافية .
ابن عمر لما أخبره واحد، و
الثاني يسمع فقط؛ صدقه لأنه مؤمن، عدل، وثقة، وديننا يقوم على أخبار
العدول، من قواعده أخبار العدول، فإذا نقل لك الإنسان العدل كلاماً فالأصل
فيه الصحة، ويجب أن تبني عليه الأحكام، وحذر الله من خبر الفاسق، فإذا
إنسان معروف بالفسق وجاءك بخبر لا تكذبه، تَثَّبَت؛ لأن هناك احتمالاً أن
يكون هذا الفاسق في هذا الخبر صادق، تَثَّبَت لا بأس، أما الآن العدل تلو
العدل، والعدل تلو العدل يكتب ويشهد ما يُقبل كلامه، ويَنقل كلام الضال
بالحروف ما تقبل شهادته، يقولون حاقد، فهذه من الأساليب عند أهل البدع و
الفتن في هذا الوقت- نسأل الله العافية- لا يعرفها الخوارج، ولا الروافض،
ولا أهل البدع في الأزمان الماضية، وجاءوا للأمة بأساليب وقواعد ومناهج
وفتن ومشاكل وأساليب؛ إذا جمعتها –والله – ما يبقى من الدين شيء، إذا جمعت
أساليبهم وقواعدهم لا يُبقون من الإسلام شيئاً، ومنها أخبار العدول يريدون
أن يسقطونها، ومنهج السلف في نقد أهل البدع يسقطونه بطرق خبيثة، يسموها
بالعدل والموازنة بين السيئات والحسنات إلى أخره، وإذا أخذت بهذا المنهج
صار أئمتنا كلهم فاسقين، غير عدول، ظالمين، فَجَرَة على هذا المنهج الخبيث.
الشاهد أنَّا كما ذكرنا غير مرة أن الله حذرنا من أهل البدع، وبين أن
مقاصدهم سيئة، والرسول r أكَّدَ ذلك وحذر منهم، حذر منهم عليه الصلاة
والسلام، فَهِمَ السلف من هذه النصوص ومن غيرها الكثير والكثير، فهموا منها
المواقف السليمة والصحيحة من أهل البدع والضلال، ودَوَّنوا ذلك في كتبهم،
وقالوا إن المبتدع لا غيبة له، وأنه يجب التحذير منه، وأن محاربة أهل البدع
جهاد، وهو أفضل من الضرب بالسيوف لماذا ؟ لأن هذا يفسد الدين مباشرة، هذا
يفسد الدين، الفاسد يفسد الدين، الفاسق معترف بأنه منحرف، وأنه مخالف
للدين، ويُحدِّث نفسه بالتوبة، أما هذا لا، هذا يُفسد الدين، ويفسد الناس،
لهذا نرى أن الله تبارك وتعالى حارب أحبار اليهود ورهبانهم وعلماء السوء
منهم أشدَّ من محاربته للحكام والطغاة الجبابرة لماذا ؟ لأن أولئك ضلالهم
وفسادهم معروف وواضح للناس، لكن هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، كما قال تبارك
وتعالى{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ]71[}(19)،وهذا
حال أهل البدع عندهم شيء من الحق أو شيء من الضلالة يلبسونه بشيء من الحق
حتى يروج، طرق ماكرة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، تراه كم صب من
اللوم والذم والتحذير والطعن لليهود وعلمائهم وللنصارى لماذا ؟ لأنهم
أفسدوا دين الله، وهذا شأن أهل البدع ولهم حظ من هذا الذم الذي يوجهه الله
تبارك وتعالى إلى اليهود والنصارى، والدليل قول الرسول r (( لتتبعن سنن من
كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))(20) فقد وقع
أهل البدع في هذا الشر، وتابعوا اليهود في التأويل وفي التحريف وفي الكذب
وفي نشر الباطل والدعاية في الباطل، شاركوهم في كل هذه الأشياء، فالشبه
قوية جداً بينهم وبين هؤلاء، وقد أخبر الرسول r أن هؤلاء سيتابعونهم.
فنحن عل كل حال بعد هذا كله ننصح الشباب السلفي أن يُقبلوا على طلب العلم،
وأن يحرصوا على معاشرة الصالحين، وأن يحذروا كل الحذر من مخالطة أهل البدع
وأهل الشبه والفتن، وهذه النصيحة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية من إخواننا
طلاب الحق وأهل الحق، ونسأل الله أن ينفعنا وإياهم، وأن يجعلنا وإياهم من
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من أتباع محمدr الذين
يُؤثِرون طاعته واتباعه على كل أمر من أمور الحياة هذه، إن ربنا سميع
الدعاء . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة آل عمران رقم الآية (102)
[2] سورة النساء رقم الآية (1)
[3] سورة الأحزاب رقم الآية ( 70 إلى 71 )
4- سورة آل عمران رقم الآية (7)
5- سورة آل عمران (100) .
6- أخرجه البخاري و مسلم صحيح أبو داود 3/869
7- سبق تخريجه
8- سورة هود الآية (113)
9- سير أعلام النبلاء 7/428
10-رواه مسلم وغيره الإرواء10/ 608 خطبة الحاجة
11-سورة الشورى رقم الآية (21)
12-سورة التوبة رقم الآية (31)
13-سورة الأحزاب رقم الآية (67 إلى 68)
14-أخرجه البخاري ومسلم صحيح ابن ماجة 1/32
15-سير أعلام النبلاء 4/215
16-سير أعلام النبلاء 17/558
17-صحيح ابن ماجة1/ الصفحة 41
18- أخرجه البخاري ومسلم رقم الحديث (5839) صحيح الجامع وصحيح النسائي (4665 ) عن أبي موسى
19- سورة آل عمران رقم الآية (71)
20-صحيح ابن ماجة ( 364)
فضيلة شيخنا العلامة / الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …………. وبعد : شيخنا حفظكم الله، لا يخفاكم ما للجليس من أثر على جليسه، سواءً كان خيراً أو شراً.
ولقد وقع بعض إخواننا السلفيين في هذه الأيام في مخالطة بعض المخالفين
للمنهج السلفي على سبيل الصحبة وتوافق الطبع؛ فتجد أن هذا الأخ أقل ما يصاب
به هو التبلد تجاه الأفكار المخالفة للعقيدة السلفية، ويشمئز من ذكر
القضايا المنهجية.
فنريد منكم حفظكم الله تعالى ذكر كلمه تربوية
سلفية؛ تبين خطورة مخالطة هؤلاء، وذكر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية،
والآثار السلفية، في تبيين خطورة ذلك، وذكر الأمثلة من التأريخ تبين تحول
بعض أهل السنة إلى البدعة بسبب مماشاة أهل الأهواء.
بارك الله في عمركم وعلمكم، وجزاكم الله خيراً.
أجاب حفظه الله بقوله :
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.
{يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُسْلِمُونَ ]102[ }.((1
{يا أيّها الناسُ اتّقُوا ربَّكمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ
وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً
واتَّقُوا اللهََ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كان
عَلَيْكُمْ رَقِيباً ]1[}.[2]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ]70[ يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً]71[}.[3]
أما بعد،،
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد :
فإجابةً على هذا السؤال أقول: إن هذه المسألة مهمة جداً وشأنها خطير؛
ولهذا اهتم بها الكتاب والسنة، والسلف الصالح في دواوين الإسلام، وخاصةً ما
يتعلق بالعقائد، وبالذات ما يتعلق بالمواقف من أهل البدع والضلال، وأهل
الفتن والانحرافات، وجلساء السوء بالذات، ففيما بينوه الشفاء والكفاية لمن
أراد لنفسه الخير، وأراد لنفسه أن يحيا حياة تُرضي ربه وتقربه إليه، وتبعده
عن النار، لقد اهتم بهذا الموضوع سلفنا الصالح رضوان الله عليهم علماً
وعملاً وتطبيقاً، رضوان الله عليهم، فما علينا إن كنا نريد النجاة إلا أن
نتبع سبيل هؤلاء المؤمنين الصادقين المخلصين، الذين عرفوا الشريعة
الإسلامية عقائدها، ومناهجها، ومقاصدها، ومراميها، فقدموا النصح و البيان و
التحذير، لمن أراد الله به خيراً من هذه الأمة، وأراد له النجاة وركوب
سفينة النجاة فعلاً، في القرآن الكريم تقرأون قوله تعالى{هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم
زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله
إلى الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا]7[}(4) فبين
الله في هذه الآية واقع وحال أهل الزيغ والأهواء ، وأنهم يتقصدون الشر
للأمة، و يتقصدون لهم الفتن ؛ لأن نواياهم ليست بسليمة ، وقلوبهم مريضة ،
ويريدون أن يصاب الناس بأدوائهم لأنه كما يقال في المثل (كلما عَمَّت هانت)
وفي المثل العامي ( قُطِع ذنب الثعلب فقَطَعَ أذناب الآخرين ) وقد قال
الله تبارك وتعالى في الكفار{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تطيعوا
فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ]100[}(5) .
ويود الكفار والنصارى واليهود للمسلمين أن يرتدوا عن دينهم، ولأهل البدع
نصيبٌ كبير من هذا القصد السيئ، ومن إرادة السوء لأهل الخير؛ من هنا يجب
الحذر منهم غاية الحذر، وقد نبهَنا الله في هذه الآية التي ذكرناها أن
الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، يتقصدون فتنة
الناس في دينهم والانحراف بهم عن دين الله الحق إلى ما هم فيه من البدع
والضلال ، وما هم فيه من الشبهات و التخبطات والانحرافات وهم يريدون السوء
لمن يثق فيهم، ولمن يجالسهم ويخالطهم؛ ولهذا تراهم يسلكون شتى المسالك لصد
أهل الحق، ولا سيما الشباب عن منهج الله الحق، فلهم طرق قد برعوا فيها،
وأساليب قد مهروا فيها وربوا عليها شبابهم، فتجده لا يعلم كيف يتوضأ؛ ولكنه
يجيد عرض الشبه والتشكيك والتشويه والتنفير من الحق وأهله، قد تجده يجيد
هذا إجادة عظيمة والعياذ بالله، ونسأل الله أن ينقذهم من هذه المسالك
الشيطانية، وأن ينقذهم من أسباب الهلاك ، الرسول عليه الصلاة والسلام تلا
هذه الآية لما تلاها قالفإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك
الذين سمى الله فحذروهم) 1فهؤلاء أهل الأهواء وأهل الزيغ هم الذين يتتبعون
المتشابهات، الرسول r يقصد أن أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه هم الذين
يجب أن يحذرهم الناس، فمن علامة أهل البدع، ومن علامة أهل الزيغ أنهم لا
يسلكون مسالك أهل السنة في بناء دينهم على الآيات المحكمة، ورَدَّ
المتشابهات إلى المحكمات؛ وإنما يتعلقون بما يوافق هواهم، ويستطيعون أن
يروجوا به لدعواهم الفاسدة، وبدعهم الضالة؛ كما فعل الخوارج والروافض،
والمرجئة، والقدرية؛ فإنهم يتعلقون من النصوص المجملة والمتشابهة بما يوافق
هواهم؛ فيضلون به ويضلون الناس، وعلى هذه الشاكلة أهل البدع في كل زمان
ومكان، مهما كان نوع بدعتهم، ولا تحتقراً شيئاً من البدع ولا تستصغراً منها
شيئا؛ فإن هذه مسالكهم، يَفتن ويَزيغ، ويريد أن يُفتن الناس ويزيغون مثل
زيغه، وينحرفوا مثل انحرافه، ويُفتنون مثل فتنته، والعياذ بالله، فأنت ترى
الآية بينت حالهم والرسول r بين حالهم وحذر منهم.
وإذا كان قد
أمر بهجران الصحابة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك حتى بعد توبتهم، وهم لم
يركضوا بهذه فتنة ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا واعترفوا، ومع ذلك لما
وقعوا فيه من المخالفة لأمر الرسول r ؛ لأنهم متهمون في هذه الحال وقد
يكونون متهمين بالنفاق.
فإحسان الظن بأهل الانحرافات، وأهل البدع
والضلالات، مخالفٌ لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا
قال الرسول عليه الصلاة والسلام (( فإذا رأيتم من يتبع المتشابه فأولئك
الذين لعن الله فاحذروهم )) (6). ما قال أحسنوا بهم الظن كما يقول الآن
كثير من أهل الأهواء: أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد،
يا أخي إذا رأينا عندك شبه وضلالات أنت متهم، الله حذرنا منك، ورسول الله
حذرنا منك، كيف لا نحذر منك، وكيف نحسن بك الظن وقد نبهنا الله تبارك
وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك، فالرسول r لماذا ما أحسن الظـن
بهؤلاء وهم صحابة وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار وبينوا، وهو لسبب
من الأسباب ما نقول عذر من الأعذار بينوا الحقيقة لرسول الله عليه الصلاة
والسلام كما هي، فقال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز
وجل، وحتى يقضي الله فيهم ما أراد سبحانه وتعالى، فأمر رسول الله بهجرانهم
إلى أربعين يوم، وبعد أربعين يوم يرسل لهم الرسل أن يعتزلوا نسائهم، هجرهم
المجتمع برمته، ما كان يكلمهم أحد أبداً، بقي معهم زوجاتهم يعطفن عليهم،
فأمرهم رسول الله باعتزال نسائهم ، أمر الله الرحيم الرؤوف، ورسوله الرؤوف
الرحيم عليه الصلاة والسلام يعامل هؤلاء بمثل هذه المعاملة، فالحذر من أهل
البدع، وبغضهم وهجرانهم ومقاطعتهم هو السبيل الصحيح لحماية الأصِحَّاء من
أهل السنة من الوقوع في فتنتهم ،و التساهل معهم وحسن الظن بهم، والركون
إليهم هو بداية في طريق الضلال والانحراف،{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
فتمسكم النار]113[}(7)ومن أظلم من أهل البدع، أهل البدع شر من الفساق وأهل
المعاصي ، ولهذا يقول فقيه البصرة وعاقلهم سلام بن أبي مطيع: لأن ألقى الله
بصحيفة الحجاج ، أحب إلي أن ألقاه بصحيفة عمرو بن عبيد ، عمر و بن
عبيد(، عابد زاهد ما شاء الله، لكن مبتدع ضال، والحجاج، فاجر سفاك مجرم،
يرى أنه لو خُيِّر أن يلقى الله بصحيفة الحجاج، وصحيفة عمرو بن عبيد،
لاختار أن يلقى الله بصحيفة الحجاج السفاك الظالم الفاجر، لماذا ؟ لإدراكه
لخطورة البدع وشناعتها، ويكفينا أن الرسول r كان في كل خُطَبِه أو جُلِها
يصفها بأنها شر الأمور، كما في حديث جابر رضي الله عنه قال :كان الرسول r
إذا خطب، يعلوا صوته ويحمر وجهه كأنه منذر جيش يقول صَبَّحكم ومَسَّاكم ،
ثم يقول: أما بعد، فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر
الأمور محدثاتها(9)، وهي تدخل في قول الله تبارك وتعالى{ أم لهم شركاء
شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ]21[}(10) وقوله {اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً
واحداً لا إله إلا هو]31[}(11)فهؤلاء أتباع أهل البدع، مهما كان هذه البدع
تتناوله مثل هذه الآيات، لماذا ؟ لأنهم يقدمون طاعة أمرائهم وسادتهم
وقادتهم على طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى طاعة الله تبارك
وتعالى، وكثير من هو سيلقى الله بهذه الإجابة {ربنا إنا أطعنا سادتنا
وكبرائنا فأضلونا السبيلا ]67[ ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا
كبيراً]68[}(12)كثير منهم –لا أقول كلهم- كثير منهم سيلقى الله بهذه
الإجابة، خاصة من يتبع هواه في محاربة الحق، والرضى بالباطل بل الدعوة إلى
الباطل وتشويه الحق ؛ كما يجري من كثير من الناس في هذه الأيام، تراهم
يلبسون مُسوح الإسلام بل مسوح السلفية؛ وهم أشد الناس حرباً على السلفية
وأهلها.
فالذي يحترم المنهج السلفي ويحترم العقيدة السلفية ويحترم
أهل هذا المنهج سابقهم ولاحقهم، كيف يحسن الظن ويركن إلى أهل الباطل، إن
قلت كتاب الله فهو عليك، إن قلت سنة رسول الله فهي حجة عليك، إن قلت أئمة
الإسلام فمواقفهم معروفة، ومدوناتهم وتآليفهم معروفة في مجافاة أهل البدع
وبغضهم والتحذير منهم- ولا سيما أئمة السنة- كمالك، والأوزاعي، والشافعي،
والسفيانين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، أئمة الإسلام وجبال السنة، وهم قدوة
الأمة، فمن لا يقتدي بهؤلاء ويحيد عن سبيلهم فوالله إنه لمتبع لسبيل
الشيطان، ويركض في ميادين الشيطان، مهما أدعى لنفسه.
الآن هات
موقف الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام ممن يسب أصحاب محمد r، الرسول عليه
الصلاة والسلام يقول (( لا تسبوا أصحابي والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل
أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))(13) يعني الصحابة فوق القمم، ما
هم قمم بل فوق القمم، يعني هم بعد الأنبياء مباشرةً لماذا تسبهم، لماذا تسب
أحداً منهم وأنت لو جئت بأعمال الخير كلها وأنفقت جبال الذهب كلها لو صارت
جبال الدنيا مثل جبل أحد ذهباً وأنفقته ما بلغت مد أحدهم ولا نصيفه، فكيف
تسبهم ،والرسول r يلعن من يسب أحداً من أصحابه؛ ثم تجد هؤلاء الضالين لا
يغضبون لأحدٍ من أصحاب رسول الله r ، ويا ويلك إن انتقدت إماماً من أئمة
الضلال السابين للأنبياء والصحابة والقائلين بالحلول ووحدة الوجود، يبغضونك
ويحاربونك من أجل هذا الضال لا من أجل أصحاب محمد r،فهذا ضلال وأي ضلال ،
كثير منهم يزعمون أنهم من أهل السنة وهذا واقعهم وهذا حالهم، فأي احترام
عندهم للسنة وقد أهين أصحاب رسول اللهr فلم ينصروهم، ومن كذِبهم وفجورهم
أنهم رفعوا عقيدتهم بمنهج الموازنات،ويسمونه بمنهج العدل و الإنصاف ،لماذا
لا تنصفون الصحابة ، لماذا ما تنصبون موازينكم هذه أول شيء لنبي من
الأنبياء ولأصحاب محمد r هذا دليل أنكم ما أنشأتم مثل هذا المنهج وما
تعلقتم به إلا لنصرة الباطل، ونصرة الضلال، ولحماية الضلال وأهله، ولحماية
مناهج الضلال، والله لو كنتم صادقين ما اخترعتم هذا المنهج، لو كنتم صادقين
لبدأتم بنصرة أصحاب محمد r وإنصافهم ممن افترى عليهم وظلمهم وأهانهم ورمى
بعضهم بالنفاق ورمى بعضهم بالردة وفعل وفعل، ومثل هذا مقدس عندكم، مثل هذا
مقدس، مجدد، إمام، إلى آخره.
أَبَلَغ هذا الشأو، وبلغ هذه المنزلة
بسبه لأصحاب محمد r أم بسبه لموسى، أم بقوله بالحلول، أم بقوله بوحدة
الوجود، أم لتعطيله للصفات، أم بقوله بالاشتراكية، بلغ هذه المنزلة السامية
عندكم بهذه الأشياء، وكثير وكثير من المخازي، ومع ذلك هو عندكم قمة،
وأصحاب الرسول r في الهامش، وبعيدون عن الهامش، لو كنتم تحترمونهم والله،
لو كان هذا الشخص أباكم وجدكم لحاربتموه، ولكن إنما هي الأهواء، وإنما هو
الضلال والانحراف والاستهانة بدين الله وحملته، مهما ادعيتم لأنفسكم فهذا
الواقع يكشفكم ويفضحكم- على كل حال- أنا أحيل الشباب إلى كتب أئمة السنة
لينهلوا منها مباشرة، لا يأخذون من أشرطة فلان، وكتابات فلان، وإنما يأخذوا
العلم من مناهله الأصيلة، ويرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليهم، وإن الأمر
– والله- لجد -ورب السماء- لا سيما والمشاكل بلغت حداً لا نظير له، فالسنة
الآن تُحارب، وأهلها يحاربون بمختلف وسائل الإعلام، وفي الكتب وفي الأشرطة
والانترنيت وفي كل مكان، ويصورون أهل السنة بأنهم خوارج، !! بل يكفرونهم،
فأي فتنة أخبث وأشد على الإسلام والمسلمين من هذه الفتنة الخطيرة التي ملئت
الأرض والأجواء والفضاء فنسأل الله العافية.
فنحن نحذر الشباب
السلفي من مخالطة هؤلاء، والاستئناس بهم، والركون إليهم، فليعتبروا بمن سلف
ممن كان يغتر بنفسه ويرى نفسه انه سيهدي أهل الضلال، ويردهم عن زيغهم
وضلالهم؛ وإذا به يترنح ويتخبط ثم يصرع في أحضان أهل البدع.
وقد مضت تجارب من فجر تاريخ الإسلام، فأُناس من أبناء الصحابة لما ركنوا إلى ابن سبأ؛ وقعوا في الضلال.
وأناس من أبناء الصحابة والتابعين لما ركنوا إلى المختار بن أبي عبيد؛ وقعوا في الضلال.
وأناس ركنوا إلى كثير من الدعاة السياسيين الضالين ومن رؤوس البدع؛ فوقعوا في حبائل أهل الضلال.
وكثيرون وكثيرون جداً، ولكن نذكر منهم قصة عمران بن حطان، كان من أهل
السنة وهوي امرأة من الخوارج، فأراد أن يتزوجها ويهديها إلى السنة،
فتزوجها؛ فأوقعته في البدعة، قبحه الله، وكان يريد أن يهديها فضل
بسببها،وكثير من المنتسبين إلى المنهج السلفي يقول: أنا أدخل مع أهل
الأهواء لأهديهم فيقع في حبائلهم، عبد الرحمن بن ملجم، و عمران بن حطان،
كلهم كان ينتمي إلى السنة ثم وقع في الضلال، وأدى بعبد الرحمن بن ملجم
فجوره إلى أن قتل علياً، وأدى بعمران بن حطان فجوره إلى أن مدح هذا القاتل
نسأل الله العافية قال :
يا ضـربة من تقي ما أراد بها ****** إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه ****** أوفى البرية عند الله ميزانا
أكرم بقوم بطون الطير قبرهم****** لم يخلطوا دينهم بغياً و عـدوانا(15)
إلى آخر أبيات رديئة قالها في مدح هذا المجرم، بارك الله فيكم.
وحصل لعبد الرزاق من أئمة الحديث أن انخدع بعبادة وزهد جعفر بن سليمان الضبعي، وأنِسَ إليه؛ فوقع في حبائل التشيع.
وانخدع أبو ذر الهروي راوي الصحيح بروايات، وهو من أعلام الحديث، انخدع
بكلمة قالها الدارقطني في مدح الباقلاني؛ فجَرَّته هذه الكلمة في مدح
الباقلاني ، إلى أن وقع في حبائل الأشاعرة، وصار داعية من دعاة الأشعرية؛
وانتشر بسببه المذهب الأشعري في المغرب العربي، فأهل المغرب يأنسون إليه،
ويأتونه ويزورونه، ويبث فيهم منهج الأشعري، وهم قبله لا يعرفون إلا المنهج
السلفي؛ فسن لهم سنة سيئة ،(16) نسأل الله العافية كما قال النبي عليه
الصلاة والسلام (( من دعى إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا
ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعى إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزارهم إلى
يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً ))(17) فنسأل الله العافية.
والبيهقي انخدع ببعض أهل الضلال، كابن فورك وأمثاله، وكان من أعلام الحديث.
أنت جاهل وتثق بنفسك، وتغتر بنفسك، وأنت ما عندك علم يحميك؛ فأنت أولى مئات المرات بالوقوع في البدعة من هؤلاء.
و انخدع البيهقي بابن فورك فوقع في الأشعرية ، وكثير وكثير من الناس، وفي
هذا العصر أمثلة كثيرة ممن عرفناهم كانوا على المنهج السلفي؛ ولما اختلطوا
بأهل البدع ضلوا؛ لأن أهل البدع الآن لهم أساليب، ولهم نشاطات، ولهم طرق -
يمكن ماكان يعرفها الشياطين في الوقت الماضي- فعرفوا الآن هذه الأساليب
وهذه الطرق وكيف يخدعون الناس، فمن أساليبهم أنك تقرأ وتأخذ الحق وتترك
الباطل، كثير من الشباب لا يعرف الحق من الباطل، ولا يميز بين الحق
والباطل، فيقع في الباطل يرى أنه حق، ويرفض الحق يرى أنه باطل، وتنقلب عليه
الأمور، وكما قال حذيفة رضي الله عنه (( إن الضلالة كل الضلالة أن تنكر ما
كنت تعرف، وتعرف ما كنت تنكر )) .
فترى هذا سائر في الميدان
السلفي والمضمار السلفي ما شاء الله ما تحس إلا وقد استدار المسكين، فإذا
به حرب على أهل السنة، وأصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف عنده منكراً،
وهذه هي الضلالة كل الضلالة، فنحن نحذر الشباب السلفي من الاغترار بأهل
البدع والركون إليهم .
فأنصح الشباب السلفي :
أولاً: أن
يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول
الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس
الخير وآثاره الطيبة، فقال: (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل
المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن
تجد منه ريحاً طيبة، - يعني أنت رابح و مستفيد منه على كل حال من الأحوال،
لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير، وكلها نفع كما هو مثل المؤمن -
والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه ))
(18)فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً، فإذا
كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم
ومخالطتهم ما دليلك على الجواز، الرسول r حَذَّر ، الرسول r أنذر، الرسول r
بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ، ونفذوا
توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة،
فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك
الخير، ويخافون عليك من الوقوع في الشر.
فأنا أنصح الشبابٍ السلفي
أينما كانوا، وأينما نزلوا، أن يدرسوا منهج السلف، وأن يعرفوا قدْر أهل
السنة والجماعة، وأن يدركوا فيهم أنهم أهل النصح، وأهل الخبرة، وما يقولونه
–والله - يتحقق فيمن يأخذ بقولهم أو يخالفهم، فمن خالفهم؛ فالغالب عليه
الوقوع في الباطل، والوقوع في الشر، ومن استفاد منهم سَلِمَ ونجى،والسلامة
والنجاة لا يعدلها شيء.
وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب
السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم، لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف
كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛ لأن المناظرة تجرك
إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح، فأوصي الشباب أن
يستفيدوا:
أولاً: من كتاب الله .
ثانياً: من سنة رسول الله r .
ثالثاً: من توجيهات ومواقف السلف الصالح ، بدأً بالصحابة، وعلى رأسهم عمر،
الخليفة الراشد، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم ، وعبد الله ابن
عباس، وجابر بن عبد الله، و عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم جميعاً،
ونذكر لكم مواقف بعضهم؛ لأن الوقت لا يتسع لاستقصائهم .
أما عمر،
فقصته مع صبيغ بن عسل مشهورة و معروفة، إذ كان يقذف ببعض الشبهات في أوساط
الناس؛ فاستدعاه عمر، وضربه ضرباً شديداً، وأودعه في السجن، ثم استدعاه
مرةً أخرى، وضربه، وأودعه في السجن، ثم في الثالثة قال: يا أمير المؤمنين،
إن أردت قتلي فأحسن قتلتي، وإن أردت أن يخرج ما في رأسي فوالله لقد خرج،
فلم يأمن جانبه أبداً، بعد كل هذا نفاه إلى العراق، وأمر بهجرانه، فهذه
عقوبة بسبب هذه الشبهات الذي كان يقذفها في أوساط الناس، إذا قِستَها
بالبدع التي تنتشر من أخف الناس بدعة تجد البون الشاسع بين ما عند صبيغ وما
عند هؤلاء المتأخرين من الضلالات؛ لأن هذه أخطر وأشد بكثير وكثير، ولها
دعاة، ولها نشاطات- مع الأسف الشديد- على كل المستويات .
وأما علي
بن أبي طالب، فيكفي أنه قَتَل الخوارج، الذين قال فيهم رسول الله r : شر
الخلق والخليقة، شر من تحت أديم السماء، وفي هذا الوقت بزغ قرن الخوارج في
غاية العنف، وفي غاية الشدة، ولهم من الوسائل والإعلام والدعايات والأعمال
والفتك مالا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى؛ فكيف يأنس المسلم الصادق إلى من
يحب هؤلاء ويواليهم؛ وكيف يثق بمن هذا منهجه وهذه عقيدته وهذا موقفه من
الأمة .
وأما عبد الله بن عباس فله كلام شديد في أهل القدر رضي
الله عنه، منها قال إئتوني بواحد منهم حتى أعض أنفه، حتى أجدعه، أو كما
قال، يعني هكذا سيتعامل مع أهل البدع.
ابن عمر لمَّا بلغه أن
قوماً يتقفرون العلم ويقولون أن لا قدر، قال: أبلغهم أنني منهم بَراء،
وأنهم مني بُرءاء، لم يفتح ملف وتحقيقات وإلى آخره كما يفعل الآن أهل
البدع، يقذفون الناس ظلماً وعدواناً، فإذا ثبت لك شيء من ضلالهم وتكلمت
وحذرت منه قالوا: ما يتثبت ، نعوذ بالله من الهوى ولو يأتي ألف شاهد على
ضال من ضلالهم لا يقبلون شهادتهم ، بل يسقطونها ، ألف شاهد عدل، على ضال من
ضلاَّلهم لا يقبلون شهادته؛ فضيعوا الإسلام وضيعوا شباب الإسلام بهذه
الأساليب الماكرة نسأل الله العافية .
ابن عمر لما أخبره واحد، و
الثاني يسمع فقط؛ صدقه لأنه مؤمن، عدل، وثقة، وديننا يقوم على أخبار
العدول، من قواعده أخبار العدول، فإذا نقل لك الإنسان العدل كلاماً فالأصل
فيه الصحة، ويجب أن تبني عليه الأحكام، وحذر الله من خبر الفاسق، فإذا
إنسان معروف بالفسق وجاءك بخبر لا تكذبه، تَثَّبَت؛ لأن هناك احتمالاً أن
يكون هذا الفاسق في هذا الخبر صادق، تَثَّبَت لا بأس، أما الآن العدل تلو
العدل، والعدل تلو العدل يكتب ويشهد ما يُقبل كلامه، ويَنقل كلام الضال
بالحروف ما تقبل شهادته، يقولون حاقد، فهذه من الأساليب عند أهل البدع و
الفتن في هذا الوقت- نسأل الله العافية- لا يعرفها الخوارج، ولا الروافض،
ولا أهل البدع في الأزمان الماضية، وجاءوا للأمة بأساليب وقواعد ومناهج
وفتن ومشاكل وأساليب؛ إذا جمعتها –والله – ما يبقى من الدين شيء، إذا جمعت
أساليبهم وقواعدهم لا يُبقون من الإسلام شيئاً، ومنها أخبار العدول يريدون
أن يسقطونها، ومنهج السلف في نقد أهل البدع يسقطونه بطرق خبيثة، يسموها
بالعدل والموازنة بين السيئات والحسنات إلى أخره، وإذا أخذت بهذا المنهج
صار أئمتنا كلهم فاسقين، غير عدول، ظالمين، فَجَرَة على هذا المنهج الخبيث.
الشاهد أنَّا كما ذكرنا غير مرة أن الله حذرنا من أهل البدع، وبين أن
مقاصدهم سيئة، والرسول r أكَّدَ ذلك وحذر منهم، حذر منهم عليه الصلاة
والسلام، فَهِمَ السلف من هذه النصوص ومن غيرها الكثير والكثير، فهموا منها
المواقف السليمة والصحيحة من أهل البدع والضلال، ودَوَّنوا ذلك في كتبهم،
وقالوا إن المبتدع لا غيبة له، وأنه يجب التحذير منه، وأن محاربة أهل البدع
جهاد، وهو أفضل من الضرب بالسيوف لماذا ؟ لأن هذا يفسد الدين مباشرة، هذا
يفسد الدين، الفاسد يفسد الدين، الفاسق معترف بأنه منحرف، وأنه مخالف
للدين، ويُحدِّث نفسه بالتوبة، أما هذا لا، هذا يُفسد الدين، ويفسد الناس،
لهذا نرى أن الله تبارك وتعالى حارب أحبار اليهود ورهبانهم وعلماء السوء
منهم أشدَّ من محاربته للحكام والطغاة الجبابرة لماذا ؟ لأن أولئك ضلالهم
وفسادهم معروف وواضح للناس، لكن هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، كما قال تبارك
وتعالى{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ]71[}(19)،وهذا
حال أهل البدع عندهم شيء من الحق أو شيء من الضلالة يلبسونه بشيء من الحق
حتى يروج، طرق ماكرة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، تراه كم صب من
اللوم والذم والتحذير والطعن لليهود وعلمائهم وللنصارى لماذا ؟ لأنهم
أفسدوا دين الله، وهذا شأن أهل البدع ولهم حظ من هذا الذم الذي يوجهه الله
تبارك وتعالى إلى اليهود والنصارى، والدليل قول الرسول r (( لتتبعن سنن من
كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))(20) فقد وقع
أهل البدع في هذا الشر، وتابعوا اليهود في التأويل وفي التحريف وفي الكذب
وفي نشر الباطل والدعاية في الباطل، شاركوهم في كل هذه الأشياء، فالشبه
قوية جداً بينهم وبين هؤلاء، وقد أخبر الرسول r أن هؤلاء سيتابعونهم.
فنحن عل كل حال بعد هذا كله ننصح الشباب السلفي أن يُقبلوا على طلب العلم،
وأن يحرصوا على معاشرة الصالحين، وأن يحذروا كل الحذر من مخالطة أهل البدع
وأهل الشبه والفتن، وهذه النصيحة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية من إخواننا
طلاب الحق وأهل الحق، ونسأل الله أن ينفعنا وإياهم، وأن يجعلنا وإياهم من
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من أتباع محمدr الذين
يُؤثِرون طاعته واتباعه على كل أمر من أمور الحياة هذه، إن ربنا سميع
الدعاء . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة آل عمران رقم الآية (102)
[2] سورة النساء رقم الآية (1)
[3] سورة الأحزاب رقم الآية ( 70 إلى 71 )
4- سورة آل عمران رقم الآية (7)
5- سورة آل عمران (100) .
6- أخرجه البخاري و مسلم صحيح أبو داود 3/869
7- سبق تخريجه
8- سورة هود الآية (113)
9- سير أعلام النبلاء 7/428
10-رواه مسلم وغيره الإرواء10/ 608 خطبة الحاجة
11-سورة الشورى رقم الآية (21)
12-سورة التوبة رقم الآية (31)
13-سورة الأحزاب رقم الآية (67 إلى 68)
14-أخرجه البخاري ومسلم صحيح ابن ماجة 1/32
15-سير أعلام النبلاء 4/215
16-سير أعلام النبلاء 17/558
17-صحيح ابن ماجة1/ الصفحة 41
18- أخرجه البخاري ومسلم رقم الحديث (5839) صحيح الجامع وصحيح النسائي (4665 ) عن أبي موسى
19- سورة آل عمران رقم الآية (71)
20-صحيح ابن ماجة ( 364)